لماذا يعود الشباب إلى قراءة الكتب الورقية في عصر التكنولوجيا؟

في عصر تسيطر فيه الشاشات على حياتنا، وتنتشر المعلومات بسرعة عبر الفيديوهات القصيرة والمنصات الرقمية، قد يبدو من الغريب أن يظل الشباب يتجهون نحو الكتب الورقية. لكن بالرغم من تقدم التكنولوجيا، لا يزال هناك من يجد متعة القراءة الحقيقية في الكتب المطبوعة. تشير بعض الدراسات إلى أن القراءة من الكتب الورقية تساعد على تعزيز الروابط العاطفية مع النصوص بشكل أكبر من القراءة عبر الشاشات، مما يفسر استمرار تفضيل البعض للكتب الورقية.
جدول المحتويات
أسباب عودة الشباب للكتب الورقية
تشير الكوتش فاطمة ضاهر مدربة تعديل سلوك وممارس متقدم بالبرمجة العصبية اللغوية، إلى أن هناك أسبابًا وراء عودة الشباب للقراءة الورقية، وحددت التالي:
الهروب من العالم الرقمي المزدحم وتعزيز التركيز
أصبحت الحياة الرقمية مليئة بالمشتتات التي تستنزف الانتباه وتقلل من القدرة على التركيز. على النقيض من ذلك، توفر الكتب تجربة قراءة متعمقة تسمح للقارئ بالانغماس في الأفكار والمفاهيم والشخصيات دون انقطاع. وفي هذا السياق، تؤكد كوتش فاطمة ضاهر أن “الكتاب يقدم تجربة غنية تساعد القارئ على الهروب من الفوضى الرقمية، حيث يتطلب تركيزًا طويلًا وتفاعلًا عقليًا أعمق، مما يعزز التفكير النقدي والقدرة على التحليل
وقد أثبتت الدراسات أن القراءة من الكتب الورقية تحسن التركيز بشكل أكبر مقارنة بالقراءة عبر الشاشات، حيث أظهرت دراسة نُشرت في مجلة العلوم النفسية أن الأشخاص الذين يقرأون الكتب الورقية يتذكرون المعلومات بشكل أفضل من أولئك الذين يقرؤون على الشاشات.

الكتاب مساحة للتأمل الفكري والتواصل العاطفي
توفر الكتب مساحة للتعمق في الأفكار الكبيرة التي يصعب العثور عليها في المحتوى الرقمي السريع. فالقراءة ليست مجرد وسيلة لاكتساب المعرفة، بل هي فرصة لطرح أسئلة وجودية عميقة، تمنح القارئ فرصة للتفكر والتأمل. وتضيف ضاهر: “الكتاب يمثل ملاذًا آمنًا لأولئك الذين يسعون للبحث عن معنى أعمق للحياة أو يحاولون فهم أنفسهم والعالم من حولهم بعيدًا عن ضغوط المحتوى الرقمي السريع والمستهلك.
كما أن تجربة القراءة الورقية تحمل بعدًا عاطفيًا خاصًا، حيث أظهرت دراسة من جامعة ستانفورد أن القراءة من الكتب المطبوعة تعزز من الروابط العاطفية مع النصوص بشكل أكبر من القراءة على الشاشات، وهو ما يفسر شعور بعض القراء بالارتباط العاطفي بالكتب الورقية أكثر من الإلكترونية.
السعي إلى التنمية والوعي الذاتي
يزداد اهتمام الشباب في العصر الحالي بتطوير ذواتهم في مختلف جوانب الحياة، مما يدفعهم إلى البحث عن كتب التنمية الذاتية وعلم النفس التي تقدم لهم منظورًا أوسع حول الحياة.
وتشير المدربة فاطمة ضاهر إلى أن “الشباب اليوم يسعون إلى مصادر تساعدهم في فهم أنفسهم والتعامل مع التحديات الحياتية، وهو ما يجعلهم يفضلون الكتب التي تمنحهم تجربة قراءة هادئة ومركزة بعيدًا عن المشتتات الرقمية.” تدعم هذه الفكرة إحصائية أظهرت زيادة ملحوظة في مبيعات كتب التطوير الذاتي لدى الفئة العمرية 18-35 عامًا، مما يعكس أن الشباب يرون في القراءة أداة هامة للنمو الشخصي والمهني.
الشعور بالحنين إلى القراءة الورقية
على الرغم من التطورات التكنولوجية وتوافر وسائل حديثة للقراءة عبر الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية، لا يزال العديد من القراء يفضلون الكتب الورقية بفضل التجربة الحسية التي تقدمها. توضح ضاهر: “هناك متعة خاصة في الإمساك بالكتاب، وتقليب صفحاته، واستنشاق رائحة الورق، وهو ما يخلق رابطًا وجدانيًا مع عملية القراءة لا توفره الكتب الرقمية.” وحسب خبراء، فإن القراءة الورقية تساعد الدماغ على معالجة النصوص بشكل أفضل، حيث أن تجربة اللمس الفيزيائي للورق تعزز من الفهم والاستيعاب العاطفي للنصوص.
القراءة وسيلة للتخلص من التوتر والضغوطات
في عالم مليء بالسرعة والمشتتات، أصبحت القراءة الورقية وسيلة فعالة للتخفيف من التوتر واستعادة الصفاء الذهني. ووفقًا لدراسة سابقة، فإن القراءة لمدة 6 دقائق يوميًا يمكن أن تقلل من مستويات التوتر بنسبة تصل إلى 68%، وهي نسبة أعلى من تأثير الاستماع إلى الموسيقى أو المشي.
هل سيختفي الكتاب الورقي؟
على الرغم من التطور الرقمي المتسارع، يبدو أن الكتب الورقية لن تختفي قريبًا، بل ستظل حاضرة كوسيلة أساسية للتفكير والتعلم والتطور الشخصي. فالشباب لا يعودون إلى الكتب فقط بحثًا عن المعرفة، بل لأنهم يجدون فيها ملاذًا هادئًا وسط عالم مليء بالضوضاء الرقمية.
وتختم كوتش فاطمة ضاهر حديثها قائلة: “الكتاب ليس مجرد مصدر للمعرفة، بل هو مساحة للتفكر والتأمل والهروب من ضغوط الحياة الرقمية. وفي ظل هذه العودة القوية للقراءة الورقية، يمكننا القول بثقة إن الكتاب سيظل رفيقًا أساسيًا للشباب في رحلتهم نحو الفهم والنمو.”
بشكل عام، بينما يزداد الاعتماد على المحتوى الرقمي، يظل هناك اهتمام مستمر بالكتب الورقية بين بعض فئات الشباب، مما يشير إلى تنوع في تفضيلات القراءة في العصر الرقمي.